مرآة النفس

مرآة النفس لا تكذب (الجزء الثاني) || بقلم عبد العزيز نزّال

ولكن، لماذا قد تكون تلك النفس غير صالحة للسؤال، ولماذا عنون ما عنون به بأنها خالية من كل ألوان الكذب، كيف السبيل الى الحقيقةِ في سياق كهذا، وكيف تحافظ الأنفس على صدقها رغم انغماسها في شهوات الحياة الدنيوية

الحق أن النفس لا تكذب ابداً ، وحتى لو دعت صاحبها لأعتى رياح الفجور والفسق، وغمرته بأمطار الشهوات والغرائز، فأنها لا تجد سبيلاً للكذبِ على سيدها، وإن دعتهُ للاتصالِ بها من عمق المسميات وبصفاء الألوان، أو الاختلاف مع الكون وإيجاد المبررات للانحياز عن الطريق الصحيح، ففي كل الحالات وجميعها تتسم النفس بالصدق فقط، وهذا الصدق في حقيقة الامر هو ما اعتادت العيش عليه مع سيدها، فتشكل صدقها برغبة وشهوة قديمتين منها، ولم يتشكل صدقها لأنها تبحث عن الطريق الأقرب للاتصال بمسبب الأشياء والمسميات، فصارت هذه النفس صادقة في جوابها لنا، ولكنها تمارس اقبح أنواع الكذب والفجور في الاختيار الأقرب لسيدها، فتبعث بالراحة التي لطالما ظنناها مرآة الاختيارات الصائبة، ولكننا لا ندرك ان ما اختارته تلك النفس لا يتعدى كونه يلبي احتياجاتها من الشهوات والغرائز الدنيوية، وما ترسله من راحة هو ما اعتادت عليه من سيدها لأنها وبكل بساطة لا تعرف صدقا غير ذلك الصدق!

وهل يمكن لفاجرٍ ان يعلمنا الصدق!، وهل نتنحى بكامل ارادتنا عن خيرنا العليل بدعوة من قليلي الادراك؟. الحق ان نفوسنا لم تبلغ مرحلة من الصدق والقرب لتكون مؤهلة لتقيم في حياتنا مقام المرآة، ولم تصل في رحلتها بعد الى وصف يمكن ان نضعه تحت ما نسميه “المطمئنة”، فكل جواب منها مخادعٌ ومريب، وكل راحةٍ تأتي من قربها ليست الا سبيلاً واضحاً لشهواتها الدنيوية، وليست طريقاً لقرب السبب من المسبب على الاطلاق، فنخدع بكامل حبنا ظانين انها لا تقربنا الا من الحق اكثر، والحقيقة انها سيف يمزق كل امالنا للوصول اليه

وماذا قبل الاطمئنان؟

ولماذا لا تتحلى نفوسنا به بتلك السهولة التي نعتقدها.

الحق أن اللوم جزء لا يتجزأ من تركيبنا ، فهو ضوء ينير افئدة الحائرين بدموعهم ليصرخ بهم، وليعيد ترتيب حوادث الانسان وانزالها بمنزلةٍ مُكرهة من افعالنا، فينظر العاصي الى مرآة نفسه ويرافقه في نظراته القليل من الخزي المحبب، وينطق لسانه ب أحزن الوان الندامة واللوم، فتصير تلك النفس معتادة على الوقوف خلف مرآتها لإلقاء اللوم، ويصير سيدها ملوناً بالوان القرب الذي يحاول الوصول اليه من خلال اطمئنانه بنفسه، ولكنه يعي جيداً، ان تلك النفس لم تصل الى لون قد يمكنها من أن تكون أهلاً للسؤال، ولم تكون محاطة بالصالحين ان لم يكن اهلا للصلاح، وستبقى جل اختياراتها خاطئة وخادعة وحتى لو اغرقتنا براحة وحب خفيين . . . . ويبقى المراد الأكبر دائماً،

هل هذه النفس هي ذاتها التي ستوصلنا الى اقرب نقطة ما بين السبب والمسبب !

هل هذه الراحة – صادقة كانت ام خادعة – هي الوقود لحياة قريبة وبعيدة وحتمية !

تأمّل

عبد العزيز محمود نزال

محتوى مماثل ...