من يكتبك حين تتبعثر ! – بقلم عبد العزيز نزّال

من يكتبك حين تتبعثر !
منذ متى لم تكتبك يداك، منذ متى والورق يرجو لقائك، أي ليالٍ تلك التي غفوت فيها دون أن تترك شيئاً منك على ووق؟
هل تخليت عن ذلك الطقس القديم!، عن محرابك الورقي، عن صلواتك التي لم يُرفع لها صوت، تلك التي كانت تهزُّك من الداخل كما تهزُّ الأشجار جذورها في الخفاء.
أتسألني “لماذا أكتب؟” . . . أقول : لأنني أتبعثر، ولأنني حين أتبعثر، لا يرمّمني سوى هذا الورق
الكتابة ليست خلاصاً بقدر ما انها شكل من أشكال الغرق، إنها بمثابةِ الغرق الوحيد الذي يُخرجنا من الظلمة إلى ظلٍّ أخف، إلى حافة أقل وطأة من الهاوية. الكتابة لا تمنحني يقيناً بديهياً ولا واقعاً أجملَ مما يُعاش، ولكنها كثيراً ما تمنحني شهقة الفهم الأولى، الحزن يبقى والالم يعيش.
حين يُصبح الحزن قابلاً للقول، يتوقف عن التهامك.
من يكتبك، لا ينقذك، بل يذكّر الكون بوجودك ، بأنك كنت هنا، وأن شيئاً منك بقي على سطور من الموت
لذلك نكتب للوطن، نكتب للحب، نكتب لأنفسها، وأكتب لعيونها
أحياناً أكتب لأتأكد . . . أني ما زلت أشعر.
وأحياناً لأبرر أني قد شعرت أكثر مما يجب
ما أكثر اللحظات التي شعرتُ فيها بأن رأسي لا يسعني، بأن جسدي ضيق على هذا الحزن، فما وجدت أوسع من صفحة أتمدد فيها، لأتساقط وأبكي دون دموع.
من يكتبك حين تتبعثر؟
لا أحد يعرف فوضاك كما تعرفها، ولا أحد يمكنه أن يمسك بخيوط شمسك سواك.
اكتبك حين لا تجدك
اكتبك حين تظن أنك انتهيت
فهي الطريقة الوحيدة لنفهم ما الذي حدث، كيف حدث، ولماذا لا زلنا قادرين على الوقوف بعده.
الكتابة، يا صديقي ليست رفاهية، بل ضرورة كما التنفس،
ولعلنا نكتب لا لنعرف أنفسنا، بل لنتصالح مع جهلنا بها، فاللغة ليست فقط وسيلة للفهم، بل انها وسيلة للتسامح مع ذلك الجزء فينا الذي لا يُفهم.
في الختام، أتركك مع السؤال الذي بدأ كل شيء
من يكتبك حين تتبعثر؟