مرآة النفس لا تكذب (الجزء الأول) || بقلم عبد العزيز نزّال
ماذا يكمن وراء البعثرة، وبلا أي توضيح قد يتلوا بعثرتها!
عندما تتشابك أيام المرء ويتلوها اختياراتٍ متعددة، فتميل نفس الانسان الى شهواتها المعهودة كما تميل زهرة دوار الشمس الى معشوقها النور، فتتجمل الشمس رغم حريقها، وتصير هدفاً سامياً بلغة الانسان البسيطة وقليلة الادراك، حتى تتمحور حولها كل لغات الحب والقبول، وتتسم صفاتها بالراحة الجما، ولكن السؤال المبهم، هل كانت راحةً فعلاً، أم انها غريزة شهوانية بلون دنيويٍ بحت!، هذا ما لا يعرفه إلا من صَدَق نَفسه وتخلى عن دنياها المحببة في سبيل مكان أعظم بكثير.
ولو عدنا الى سابق عهودنا في الاختيارات العظيمة، وعندما تتنحى شهواتنا عن منصبها الجليّ فينا، بعدما كنا شموساً توزع النور لا الحريق أبداً، فنرى ان المرآة الوحيدة لمعرفة السبيل هي ( انفسنا الصادقة) وليست الدنيوية، ولو كان في هذا السبيل صعوبة لا تليها صعوبة. ولكننا لا ندرك فتاتنا قبل ان نُدمَّر، ولا نستشعر الحريق قبل عناقنا مع الشمس، فتبدو الشموس في نظراتنا باردة كقلوبنا ولا ترغب الا بالعناق، فنعانق موتنا بقبول جلي، ونضحك لاختياراتنا كما يضحك الأطفال بإقبالهم على العيد، وكأنها لم تخنّا اختياراتنا من قبل، وكأننا نبرئ انفسنا من كل راحة قد شَعَرَت بها، فلم تعد نفسنا قادرة على الصدق معنا، لم تعد هذه النفس التي توارت عليها الاختيارات الخاطئة محطة صالحة للسؤل!، فنعود مرة أخرى لسابق عهدنا، لعهد كنا لا نعرف فيه نفسنا الدنيوية، ونختار ما نختاره بادوات قياس تُلمَسُ او تُرى، نراها ونشعر بها، فنكيل هذه الدنيا بمكيالين لا ثالث لهماً، القرب ام العدم.
والمفجع في مكيالٍ كهذا انه ورغم صدقه لا يتشكل بناء على رغباتنا، بل بناء على الحقائق ولو كانت علقماً مراً ، فلا يمكن حينها ان يختار المرء مجلسا يتكئ بين المسميين، لا يمكن ان يختار القرب الأليم أو العدم المحبب، لا يمكن الا أن يكون وصفاً حقيقياً بحت. لننظر بتمعنٍ اذن، لندرك هذا العدم او حتى القرب الذي تسعى رغباتنا لأحداهما، ايهما يكون اثقل بمكيال نظاراتنا البعيدة عن الدنيا!، ايهما قد يجعل منّا أناس نحبهم ونفتخر بهم أكثر!، او حتى . . . . ايهما قد يعتبر في نفوسنا (غير الدنيوية) تقدماً صريحاً، وايهما يعد تحنيطاً وتجميداً مباشراً لخيرنا العليل، وهذا المكيال لا يعرف الخطأ، وهذا المكيال لا يعرف الكذب، وهذا المكيال أليم.
وكما الحب، وكما دائماً
وكما كنا وكما نريد أن نكون.